الاثنين، 18 مايو 2009

خلى بالك من مراتك - لصلاح ابوشنب



خلى بالك من مرآتك
لصلاح ابوشنب
كان دائما لا يأخذ بنصائح أبيه ويلقيها خلف ظهره ، ولماذا يحمّل نفسه مشقه اتباع تلك المواعظ المتكرره التى يشعر وكأنها سوطا يُلهب ظهره ، كلما جاء أو رآح ، ما دامت الدنيا ما تزال تبتسم له فى كل يوم يقبل اليلُ الذى يتعجله مُنــْفضاً عن جسمه سُباتـُـه كى يسارع بالخروج ليلحق بشلة أصحاب السوء .. لا يفكر فى العوده الى البيت الا عند انبلاج الصبح ، فى تلك اللحظات يأوى الى الفراش من أجل الخلود للنوم ، فيلقى بجسمه المتعب فوقه ، هذا البيت الذى جعله مجرد غرفة فى فندق تنتظر عودته لينزوى بداخلها انتظارا للسهرة التاليه .. الدنيا فى ناظريه هى سهره حلوه وشلة أصحاب ، وصداقات وأحباب ، وشيشه تفاح وسيجاره بين الشفتين مُعوجّه وفتايات ملاح ، وقطعة غبراء من حشيش فوّاح ، وسيجارة محشيه وسهرة حتى الصباح ، راتبه الذى يتقاضاه لا معنى له عنده ولا قيمه الا اذا كان سببا فى جلب الفرفشه لنفسه والارتياح ، وما عدا ذلك فلا قيمة له ولا أهمية .. لا يسمع لنصائح الغير فى الوقت الذى يغضب اذا لم يأخذ الآخرين برأيه وخلاصه أفكاره .. لم يعى أن بعضهن يزنّ أزواجهن بما يقدموا إليهن من مصاغ أو هدايا ، فإذا فرغت فرغ خلفها الحب ، وخلا الوداد من القلب ، لم يحاول تغيير نظرته الى الحياة بعقلانيه ، ولم يتخذ الأمور على محمل الجد بمصداقيه ، دائما ما يرغب فى الحصول على كل شىء لنفسه سهلا ، وسُرعان ما ينفقه على نفسه ويذره ذرواً ، حتى اذا ما أنفق ما بحوزته وانفض الاصحاب من حضرته ، جلس منفردا يعاقر وحدته ، موصلا الليل بالنهار فى خلوته ، غير راغب فى ان يحدث أحدا من عشيرته .
ذات يوم طلب أبوه إسداء النصيحة له فقال : يا بُنىّ أُوصيك بألا تجعل المال يلهيك ولنفسك يُنسيك ، ولا تجعل من خادم السلطه صاحبا يُسليك ، ولا تأتمن أمرأتك على سر يضنيك .
طالت فترة مكوثه عاطلا عن العمل ، كلما خرج يبحث عن عمل عاد بخفى حنين ، هرب من حوله الأصحاب ، وأصبحت ساعات اليوم تمر ثقيله يحدوها الملل ، وتلاشت الأخلاء والأحباب ، وهددت الزوجه بالعوده الى بيت أبيها إذ لم يعد كسابق عهده معها يستجيب لكل طلباتها . لم يجد مفرا من التوجه لأبيه طالبا أن يدعو الله له .
سريعا فتح الله عليه ، وسريعا التحق بعمل جيد ، عندما تسلم أول راتب نظر اليه ودمعت عيناه وطأطأ رأسه احتراما لكرم الله . لآحت فى مخيلته وصية أبيه وطرأت فى ذهنه الوقاد فكرة .. سارع الى دار الأيتام فتصدق بربع راتبه ، وهاتف صاحبه الذى يعمل مخبرا فى قسم الشرطه فدعاه الى السهر معه كسابق عهده ففرح أيما فرح ، أعطى زوجته مبلغا من المال وطلب اليها أن تتوجه الى السوق وتشترى ما يروق لها من ملابس وعطور وما تشتهيه من طعام ، فكادت تطير من الفرح وراحت تمطره أحضاناً وحناناً وقبلاً ووعدته بليلة من ليالى ألف ليلة وليلة ، ووعدها بعشوه لذيذه عند حسنى الكبابجى ، وسهره على أضواء الشموع ، خرجت الزوجه الى السوق وهى تكاد تطير فرحا ، وسارع هو الى سوق الغنم فاشترى كبشاً ، وعاد به الى البيت فذبحه ودفنه فى حوش المنزل بعد أن لوث سكينــّه وثوبه بالدم ، عند عودة زوجته تظاهر بالارتباك فأصابها الهلع مما رأت ، فأخبرها بأنه حدث نزاع بينه وبين أحد أصحابه من شلة الأنس على إثر مبلغ من المال كان قد اقترضه ورفض اعادته إليه ، فما كان منه الا أن قتله ودفنه فى حوش الدار . . طلب منها أن تكتم السر وأعطاها السكين والثوب طالبا اليها إخفائهما.
عندما جاء الليل طرق المخبر الباب فاستقبله بترحاب وجلسا يدخنان السموم سويا بعد أن أغلق عليهما الباب ، كان قد تعمد أن يترك بقعه صغيرة من الدم فوق ثوبه الجديد ، وتظاهر بالارتباك أيضا ، تنبه المخبر .. أصر على معرفة السبب ، صارحه بالذى صارح به زوجته من قبل ، بعد لحظات استأذنه المخبر فى الخروج لشراء علبة سجائر من الكشك المجاور ، لكنه تأخر قليلا ً . فجأة سمع طرقا شديداً على باب البيت .. أسرع يفتح الباب فوجد رجال الشرطه فى استقباله ومعهم صديقه المخبر الذى كان يتقدمهم مشيرا الى الضابط قائلا : هذا هو القاتل يا باشا .
انكر الاتهام الموجه اليه ووصفه بالكذب والافتراء ، لكن زوجته سارعت الى حجرتها فأحضرت السكين والثوب الملوث بالدماء وسلمتهما للضابط قائله : إن زوجى هو القاتل فعلا يا حضرة الضابط وهذه هى الأدله . ألقى الضابط القبض عليه وأمر عساكره بنبش الحفرة لاستخراج الجثه .
أصيب الضابط بالاندهاش عندما استخرج رجاله جثة خروف . فى تلك اللحظه أصفر وجه المخبر وأسقط فى يد الزوجه التى بُهت وجهها وامتقع وأصبح شاحبا مثل وجوه الموتى . عرف الضابط الحقيقه فاعتذر للرجل الذى اصر على توجيه تهمة البلاغ الكاذب لصديقه وقبل أن ينصرف الضابط استأذنه المتهم فى البقاء لحظة كى يستكمل رؤية المشهد الأخير ويشهد على طلاق زوجته ، قال لها على مرأى ومسمع الحاضرين اذهبى فأنت طالق . كان أذان الفجر قد صدح فتوضأ وتوجه الى المسجد الكبير فصلى الصبح مع الجماعه ، وفى المسجد التقى بأبيه فانكب على يديه يقبلها طالبا العفو والسماح وإخلاص الدعاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق