الاثنين، 18 مايو 2009




الجميلــــــة والكلــــــب
لصلاح ابوشنب
فى ساعة مبكرة من صباح احد أيام شتاء شهر يناير ، كان الضباب كثيفا فى سماء الاسكندريه والصقيع قارص ، وكان أيوب حارس البوابه الرئيسيه لمبنى الادارة فى شركة الخواجه باسيليوس ينتظر زميله ليتسلم منه الورديه على أحر من الجمر ، فقد أمضى ليلة قاسية تصلبت فيها اصابعه ، ولم يقوى حتى على الامساك بالسيجارة ، التى كانت هى سلوته الوحيدة فى تلك الليلة البارده . . لم يجد ما يستدفىء به بعد أن حذره مدير إدارة الأمن بعدم إشعال العيدان اليابسه التى كان يجمعها من حديقة مبنى الادارة التى تطل على الشارع الرئيسى فى حى محرم بك ، كى يصطلى حولها بعد أن وقع عليه غرامه قاسيه . قبل أن تشرف الورديه على الانتهاء سمع بوق أوتوموبيل الخواجه باسيليوس يدق بشده على غير العاده ، أسرع الى فتح البوابه الرئيسيه المطله على الحديقه فاندفع الاوتوموبيل الفورد الاسود بمقاعده الجلديه الفاخرة ذات اللون البنى الداكن الى الداخل بسرعة يتبعه أيوب مهرولا ، قبل أن يصل اليه كان الخواجه قد ترجل واستدار يفتح الباب الخلفى للأوتوموبيل .. قفز من خلاله كلب سلوقى أدهم اللون بارز الصدر طويل الارجل بشع المنظر ، له أذنان متدليتان على جانبى رأسه ، دفعه الخواجه الى أيوب الحارس باشمئزاز طالبا اليه الاحتفاظ به كى يساعده فى ورديه الحراسه الليليه ، ورغم أن أيوب ارتد فورا الى الخلف خوفا من هجوم الكلب ، إلا أن الدهشه البالغه التى تملكته صرفته عن الشعور بالخوف الذى كمن فى شعوره فتمسك بالوقوف فاغرا فاه كأنما أصابه شىء من البله ، ذلك لعلمه بأن هذا الكلب هو كلب السيدة مرسيدس زوجة الخواجه باسيليوس المدلل .. لم يصدق أنها تستطيع الاستغناء عنه بهذه السهوله ، ويبدو أن باسيليوس استطاع بفطنته أن يلتقط ما كان يدور فى رأس الحارس ، فأسرع بإخراج ثلاث ورقات نقديه من فئة الجنيه جعلت عينى الحارس تكاد أن تخرجا من مقلتيهما ، دفعهم فى راحته طالبا اليه أن ينفق منهم على طعام الكلب ، ووعده بمثلها كل أول شهر ثم انصرف يرتقى درجات السلم متوجها الى الطابق الأول حيث غرفة مكتبة الانيقه .

وقف أيوب شاردا وهو يمسك بلجام الكلب فى يد وبالجنيهات فى الاخرى ، لم يجد تفسيرا يقنع به نفسه إزاء تصرف الخواجه بشأن الكلب الباهظ الثمن . . مع مرور الأيام ألِف الكلب مصاحبة الحارس واطمئن كل منهما الى الآخر .. فك أيوب قيدة وتركه حرا يرتع داخل الحديقه صباحا ويؤنس وحدته ليلا ، لم ينقطع سؤال الخواجه عن أحوال الكلب وتصرفاته ، كان أيوب الحارس يطمئنه مثنيا على تصرفات الكلب وأُلفته وسهولة استئناسه وشدة ذكائه .
ذات يوم وقبل أن ينتصف النهار كان الكلب يجلس القرفصاء فى مدخل مبنى الادارة بجانب حارس الورديه الصباحيه حين جاءت فتاة جميلة تسأل عن إحدى الوظائف الشاغرة ، فأشار اليها الحارس بضرورة الصعود الى مكتب شئون الموظفين بالطابق الأول . كانت الفتاة ترتدى تنورة قصيرة ، فوق الركبه ، موضة الستينيات ، أظهرت مفاتن ساقيها البيضاءتان الجميلتان ، ما أن ارتقت بضع درجات الى اعلى حتى كانت عينا الكلب تكاد تلتهمها ، وقبل أن تستدير فى عطفة الدرج المستديرة حتى كان الكلب قد ثار وانطلق خلفها كالثور الهائج .. اعتلى ظهرها ، احتضنها بكلتا يديه وهو يلهت بشدة بينما هى تصرح بكل ما كانت تملك من قوة . اربكت المفآجأة الحاضرين جميعا .. لم يعرفوا كيف يتصرفوا .. منهم من جرى يمينا ، ومنهم من انطلق يسارا بحثا عن عصا أو شىء يدفعون به جسم الكلب الثقيل الذى ناءت بحمله الفتاة .. كان الصراخ يعلو حتى وصل الى أذنى الخواجه .. خرج مسرعا من مكتبه الواقع بجانب مدخل الطابق الأول مباشرة ليفاجأ بالمشهد البشع .. انحى من فوره على الكلب .. خلص الفتاة من براثنه .. نحـّاه عنها برفق ثم سحبه ودخل به الى فناء الحديقه .. وآرب الباب خلفه .. وماهى الا لحظات حتى سُمع صوت طلق نارى .. هرع الحراس فوجدوا الكلب ملقى على الارض صريعا .. عاد باسيليوس مطأطأ الرأس وقد ارتسمت على محياه ملامح الخجل ، أخذ يهـّدأ من روع الفتاة التى تمزقت ملابسها وسقطت تنورتها .. خلع الجاكت الاسود الأنيق ووضعه فوق منكبيها مقدما لها اعتذاره الشديد .. اصطحبها الى مكتبه .. قبل أن تغادر مكتبه كان مندوب محلات صيدناوى قد حضر ومعه عدة أطقم من الملابس النسائيه الفاخرة كى تختار منها ما تشاء .. وعينها سكرتيرته الخاصه .
تمــــــــــــت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق