الاثنين، 18 مايو 2009

لحـــــــــــــم ترســــــــــــه - لصلاح ابوشنب



لحـــــــم ترســــــــة

لصلاح ابوشنب


فوق جبلاية المرسى ابى العباس مستودع كبير تنبعث منه روائح البحريات ، ظهور ، بطون ، رؤس ، كفوف سلاحف ، قواقع ، نجوم بحرية ، اصداف عجيبه ، اللوّل متخصص فى بيع لحم الترسه وذبحها . زبائن عم اللول ينتظرون بفارغ الصبر اليوم الذى يعلن فيه عن الذبح ، وعادة ما يكون يوم الخميس يوم العروسة والعريس . سجن الترسة قفص من حديد صخم قوى شديد فى وسط الماء ثابت تليد ، خلف الحلقه يقبع على مرمى غير بعيد ، تحبس فيه الترسة بعد اصطيادها تعوم وتسبح انتظارا ليوم ذبحها . ضخمة ثقيلة ذات أذرعة قوية جميلة ، لها فكين حادين كالمقص تقضم بهما الأسماك العفية ، من الحد الى الحد قضمة واحدة كفيلة بقطع اليد . لابد من الحرص والحذر عند التعامل معها وهى فى الماء ، ولا بد من الاسراع بشل حركتها بقلبها على ظهرها ثم دفعها من مؤخرتها الى الأمام حتى تـُرفع الى اليابسه . ها قد جاء يوم الخميس .. الترسة الضخمة مستلقيه على ظهرها فوق العربة الخشبية ، مثبتة بقطعتين من الحجارة تحت ظهرها عن اليمين وعن الشمال ، للحيلولة دون انقلابها على بطنها . عندما يتيقن عم اللول ان الزبائن كلهم قد حضروا وأن اللحم المتوقع استخراجه قد اصبح تقريبا فى حكم المباع ، يشرع فى احضار السكاكين الحادة ويقول باسم الله . يلى ذلك طعنة من السكين المدبب فى الخصر الفاصل بين صدفة البطن والظهر المُحَـّدبْ ، تلك المنطقة الجلديه تمثل اللحمة الجامعه بين الجراب العظمى العلوى المقوس والجزء العظمى السفلى المسطح . عند شعورها بالطعنة الأولى تبدأ فى الضرب بشدة بيديها المنبسطتين ورجليها ذات المخالب الشوكيه فوق العربة الخشبية التى قد تنكسر اخشابها أحيانا من شدة الرفسات القويه ، يتحول عم اللول الى الناحية المقابلة بحذر ويطعنها طعنة اخرى مُباغِته خَفيـّه، لتبدأ الدماء فى الاندفاع خارجاً تتلقفها أكواب الزبائن المتجمعين حولها وأغلبهم من النسوة الباحثين عن السمنة من أجل نفخ اجسادهن لبعولتهن استنادا الى تقاليدٍ باليةٍ ، وأفكار ٍ عقيمةٍ ، فرجال ذاك الزمان كانوا يشتهون المرأة ذات الاكتفاف الممتلئه والصدورالمتهدله البارزه والأرداف المكتظه لحمًا وشحمًا ، ويتأففون من النحاف العجاف . كانت النساء تعرفن ميول الرجال فتتندرن على ازواجهن بقولتهن الشهيرة ، نام ياجوزى لا تخاف ثدى وسادة وثدى لحاف ، ألآ ساء ما يعتقدون ، اندفعت المرأة لتصبح زبونة دائمة عند الحاج فسُتدق العطار ، وعند عم اللول الذى يبيعهن الدم الحار، يتجرعنه عيانا بيانا أمام المارة فى عز النهار. لحم الترسة مثل الفريك لا يحب الشريك ، فان لمستة يد انسان عن الأكل استحال وتغير لونه ورائحته فى الحال وعف عنه اللسان . عم اللول رجل بعمله خبير وببيع لحم الترسه فى الحى شهير ، لا تقرب اصابعه اللحم اثناء الذبح و لا وقت التقطيع ، وبعد الانتهاء من عملية التوزيع للدم يقوم بفصل الرأس عن الجسد الصريع ، وشق الجلد الفاصل بين الصدفتين بسكينه الخنصر الحاد ، يرفع صدفة البطن فيظهر اللحم الاحمر القانى ينبض مع ما تبقى من دماء ضمها ذاك الوعاء ، وكميات وافرة من البيض الذى ما زال يحمل اللون الاصفر ، ولم يحن موعد خروجه بعد. يتحول عم اللول نحو اليدين والقدمين فيجزهما جزاًً ، ويلقى بهما مع الرأس فى دلو مجاور، ثم يتفرغ بعد ذلك لتقطيع اللحم . انظر داخل ذاك الوعاء .. لا توجد سوى قطعة لحم واحدة ، شديدة الاحمرار تشبه كبد الجمال وقد تزيد عليه ضخامه ولمعاناً ، مجموعة من الخيوط الغليظة جهزها عم اللول بأطوال ثابته لا تتعدى النصف متر، فى منتصف كفة الميزان يضع الدوبارة ، يُقطـّع اللحم بواسطة سكينين حادين بمهارة ، وسرعة ملحوظه وشطاره ، ثم يرفعه بهما الى الكفة بغير لمس أو مس وبكل خِفـّه . بطرف اصبعيه يلتقط الخيط ، يحزم قطعة اللحم ، يحرص على ان تكون قطعة واحدة غيرمجزئه ، يحزمها بشدة كى لا تنزلق ، لا ينسى ان يصنع لها خية ( عقدة ) يضع المشترى اصبعة بداخلها ليصل بها الى بيته معلقـًة فى أصبعه . لحم الترسة مثل فصل الخريف لا يقبل الطـّىْ ولا التغليف لا فى الورق الكرتون ولا الورق الخفيف. يعرف النسوة فى بحرى ورأس التين لاسيما القدامى منهن كيف يتعاملين مع لحم الترسة اثناء الطهى ، طعم لذيد لا يضاهيه طعم خاصة عند تحويله الى أصابع من الكفته المقلية أو المغموسة فى اليخنة المتبلة . لحم فريد الطعم شهى الرائحة ينجذب اليه الشبعان قبل الجوعان ... يا غرامى .. أيعود صباى وترجع أيامى ... أم انى مازلت أجتر أحلامى ؟


** الصور منقولة من جوجل

زوجتــــــــــــى والفــــــــــــــــأر - لصلاح ابوشنب





زوجتى والفأر
صلاح ابوشنب
كانت اجمل فتايات الحارة ، هام بها حبا وذابت فيه عشقا ، فاز وتزوجها بعد قصة كفاح ، كانت ليلة الزفاف أشبه بليلة ألف ليلة
وليلة ، بعدها قضيا ليلة من امتع ليالى العمر . دخلا للاستحمام
وهما يضحكان ويدردشان والماء من فوق رأسيهما ينهمر ، فجأة خرج فأر صغير من البالوعة ، صرخت ، ارتمت بين ذراعيه
كقطعة من مرمر شفاف . تسمرت عينا الفأر على جمالها الفائق وأبى أن يدير وجهه ، اندهش الزوج من جرأته ولا مبالاته وهو
مستغرق فى التطلع اليها . قال لها : الفأر لا يريد أن يتزحزح من مكانه ، قال له مازحا : لماذا تحملق فى حبيبتى .. هل أعجبتك ؟
أتتزوجها ؟ .........
ما كاد يكمل عبارته حتى اختفت الزوجه من بين يديه واختفى
الفأر.... لم يصدق ما حدث ! صرخ .. انقلبت الدنيا ، تجمع الجيران ، جاء الاهل ، اتهام ، شرطه ، ايداع مصحة الامراض العقليه . قال له الطبيب : اين زوجتك ، قال : أخذها الفأر .. فصدق على ايداعه .
ماتت والدته قهرا عليه ، وأقعد المرض والدى الزوجه حزنا عليها ، قتل البحث اخويها حتى توصلا بعد سنتين الى رجل يسكن كهفا بسنام جبل يشرف على البحر الاحمر.. رق لحالهما فجاء معهما.
جريدة نخل خضراء ملئها بكتابات غريبه وضعها على حافة البالوعة ، غسل الحمام بماء من البحر ، تلى اقسام غير مفهومه .
فجأة ظهر فأر صغير على على حافة البالوعة ، هدده الرجل الاسود بالحرق ، تحدث الفأر على لسان الوسيط قال انه سمع حديث عشق
لذيد يدور فى هذا المكان فأحب الاستماع ، فهاله جمال المرأة النادر، وقف يطلع ، قال له الزوج خذها ان اعجبتك ...هال الحاضرون سماع قول الجنى ، لكن الشيخ تابع القرءآة .. فجأة
طرقعه مدوية فى جنبات المكان تبتعها صرخة اختفى بعدها الفأر.
طلب الشيخ من والدي المرأة فتح باب غرفة النوم التى كانت مغلقه منذ غيابها ، فوجئوا بابنتهم ممدة فوق سريرها عارية غائبة عن الوعى .


صلاح م ع ابوشنب
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى صلاح م ع ابوشنب
إرسال رسالة بريد إلكتروني إلى صلاح م ع ابوشنب
البحث عن المشاركات التي كتبها صلاح م ع ابوشنب
إضافة صلاح م ع ابوشنب إلى الإتصالات الخاصة بك

14/10/2007, 03:32 PM

حكاية بشارة ومنديل الشيخ عمارة - لصلاح ابوشنب



حكاية بشارة ومنديل الشيخ عمارة

جلس بشارة فوق كومة من الواح الخشب الزان فى باحة قشلاق سيدى جابر ، حزينا يفكر ، التقاه الاسطى جاد فربت على كتفه وسأله عما يشغله ، قال بشارة : فشلت خطوبتى من ناريمان يااسطى جاد ..طمئن جاد بشارة ببضع كلمات ، لكن بشارة لم يقتنع فطلب جاد ارجاء الموضوع حتى نهاية العمل عسى أن يجد له حلا.
بعد انتهاء العمل فى القشلاق اصطحب الاسطى جاد بشارة الى عزبة قريبة من حجر النواتيه ، حيث توقفا أمام منزل متهدم ، طرق جاد الباب الخشبى المنتهى الصلاحية . تناهى الى اسماعهما صوت خافت لعجوز تقول : اسحب الدوربارة يامن بباب الحارة ....
امرأة عجوز عمياء تجلس فى نهاية ركن المدخل ، اقبل عليها الاسطى جاد وقبل يدها ، تحسست المرأة كتفى المنحنى أمامها بعد أن أمررت أصابع يديها برفق فوق قسمات وجهه ثم قالت مرحبا بك يا جاد يا ولدى ، لقد انقطعت عنا وقتا طويلا . سألها جاد عن ابنها عمارة فأشارت الى الغرفه المجاورة .
غرفة رطبة مظلمة ذات ارضيه واطئه وجدران مشبعة ببقع الملح من شدة الرطوبه ، ليس بها سوى اريكة اسطنبولى مهشمة ، نظر بشارة فرأى رجلا عجوزا قد انحنى ظهره وطال شعر رأسه يرتدى ثوبا باليا ، ويضع فوق عينيه نظارة بلا أذرعة ربطت حول رأسه بدوبارة سميكه ، كان يجلس أمام قرص من الخشب محمول فوق قطعتين من الحجر ، وفوقه كومة من الاوراق والأحبار والأبخره والمباخر ، والعظام وجلود حيوانات ، روى الاسطى جاد لعمارة قصة بشارة ، فهز رأسه .. صعب أن يكون لك نصيب على تلك الفتاة يا بشارة ، لكن بشارة لم يقتنع وألح عليه أن يفعل شيئا .
طلب عمارة منديل قماش من بشارة فعلقه على الحائط ، بعد أن طلب من بشارة أن ينفث فيه ، تمتم ببعض كلمات غير مفهومات

.. كتب اسم بشارة واسم محبوبته وأسم والدتها خلف المنديل الأبيض ، على الفور تحول المنديل الى شاشة مرئية ظهرت من خلالها البنت ووالدتها يجلسان فى منزلهما ، كاد جاد وبشارة أن يصعقا من هول ما رأيا ، فالناس وقتها لم تكن تعرف شيئا اسمه التلفاز ، لكن بشارة الذى قد لا يبالى به احد ، وربما لا يلتفت اليه انسان ، تلفز المنديل القماشى بكلمات غير مفهومات سبقت تكنولوجيا العصر، وأذهلت العقل . قال بشارة مبتهجا : لو تم هذا الامر فسوف اهديك مكتبا من خشب الزان لم يصنعه احد من قبل . هز عمارة رأسه بالنفى وقال : غدا عطلتك الاسبوعيه يا بشارة تزين زين وحنــّى اليدين ولا تبرح البيت الا صباح الأثنين .
فى عصر اليوم التالى طرق على باب الشقه ، وكانت المفآجأة ، تلك ناريمان بالباب بمفردها ، رحبت بها والدة بشارة وهشت لها وبشت ، وكاد بشارة أن يطير من الفرح ، قالت ناريمان بصوت سمعه بشارة الذى كان يجلس فى الحجرة المجاورة انها على استعداد للزواج من بشارة حتى لو رفض أهلها ، لكن والدة بشارة رفضت ذلك المنطق وأفهمتها أن موافقه اهلها فى المكان الاول ، فان النسب للاصل قبل الفرع ، وموافقه الوالدين والاهل من الشرع . فى اليوم التالى كان بشارة فى عرض الشارع يتلقى علقة ساخنة بالعصى من أخوتها حتى كاد أن يلقى مصرعة لولا تدخل اهل الحارة ، وكانت السبب خزعبلات الشيخ عمارة .


**- صورة الجن منقولة من منتديات ملاك الروح

جنيه بحرية متجسدة ومرئيه - لصلاح ابوشنب



جنية بحرية متجسدة ومرئيه

صلاح ابو شنب

عند الركن النائى لمقهى المطرى الكبرى مائدة مستطيلة خصصها الحاج فتحى لجلسة السمر أيام الصيف .. مشروبات ، ودخان مجانى لكل درويش يأتى الى الركن قادما من الساحة المرسيه أوالقرى الريفيه .
الشيخ عبد الحكيم اعتاد الحضور قبل الآخرين ، الشيخ مرجان يأتى عقبه ، أما الشيخ صابر الاسوانى فلا يأتى الا بعد أن يسحبه الشيخ عبد الحكيم بالأسم على المسبحة .. يراه الجالسون وهو أت نحوهم يتكفأ يفرك عينيه المغمضتين ليطرد عنهما النوم . ما يكاد يجلس حتى يفاجىء الحاضرين بقوله : اقلقت مضجعى يا شيخ عبد الحكيم .. كفاك سحبى بمسبحتك ! فيرد الشيخ : أنت تعرف مواعيدنا ورغم ذلك تنام وتنسانا .....
لحاج عبد اللطيف يرتدى الكاكولا والطربوش التركى ، يجلس دوما بجوار المتر سعدى ابو الحاج ينشغلان سويا بتقسيم الجبن والخبز الطازج بين القطط التى تجمعت بمجرد قدوم الحاج عبد اللطيف .. ينادى كل قطة باسم اسماه لها ، يلقى اليها نصيبها ، تأكله وتنصرف . مرجان كثيرا ما يعلق بقوله : أتمنى أن اعرف من أين يأتى هذا العدد الكبير من القطط بمجرد حضور الشيخ عبد اللطيف؟
سعدى ابو الحاج يتكهن مازحا : ربما بحاسة الشم ..
الشيخ عبد الحكيم : لعله سر بين الشيخ وهذه المخلوقات ...
الشيخ عبد اللطيف : استح يا ولد ...
مرجان : نريد أن نعرف السر ؟
الشيخ عبد الحكيم : عندما تكبر ستعرف ...
مرجان : الى هذا الحد يا مولانا ؟
الشيخ : أحس بأن قلبك مازال ضعيفا ...
الشيخ عبد اللطيف : هل تقدر على حمل السر يا شيخ مرجان ؟
مرجان : جربنى .........
الشيخ عبد اللطيف : موافق
الشيخ : لا داعى لذلك يا شيخ لطيف .
مرجان : أما زلت تعتقد بأنى ضعيف القلب ؟
الشيخ : أخشى عليك عدم التحمل ...
سعدى : دعنا نرى مدى قدرته يا مولانا ..
الشيخ عبد الحكيم : متى تقرأ وردك الاسبوعى يا شيخ مرجان ؟
مرجان : يوم الاثنين من كل اسبوع يا مولانا .
الشيخ : ايه رأيك يا شيخ لطيف ؟
عبد اللطيف : تمام يا شيخ عبد الحكيم ..الاثنين الاثنين

+++++++++++++++

سفينة شحن مصرية تتنقل فيما بين ميناء مصوع وجيبوتى عند مدخل المحيط الهندى فوق ظهرها يعمل البحرى المخضرم مرجان ، فى الشهر الماضى عندما كانت السفينة تستعد للابحار من ميناء الاسكندرية . أوصاه شيخه عبد الحكيم بحمل رسالة مكتوبة الى الشيخ عبد رب النبى القاطن فى مصوع .
فى ميناء مصوع القت السفينة مراسيها وربطت شمياتها ، اسرع مرجان الى حقائبه ليخرج المظروف الذى سلمه له شيخه فلم يجده ، قلب حجرته الصغيرة رأسا على عقب فلم يعثر على شىء ،أثناء ذلك سمع زميلا له ينادى : ياعم مرجان .. يا عم مرجان ..
تلكأ مرجان فى الخروج لانشغاله بالبحث عن المظروف فجآءه زميله البحرى يخبره بأن هناك شخص من أهل مصوع يسأل عنه .
من فوق الدك نظر ، رجل أعرج بعكاز مصنوع من فروع الشجر ، اسمر اللون نحيف الجسم ذو لحية بيضاء قصيرة ينادى: حمدا لله على وصولك بالسلامه يا شيخ مرجان .. اندهش مرجان .. ألجمته المفآجأة ، لم يسبق له معرفة الرجل ، شىء عجيب ، فى خضم اندهاشه فآجأة الرجل المصوعى : أليس من الواجب أن يحافظ المؤتمن على الأمانه ؟ قالها وهو يرفع يده ممسكا الخطاب الذى كان مخبئا فى حقيبة مرجان تحت سريره ، قال مرجان فى نفسه : أسحر هذا وشعوذة أم مكاشفة وتقوى ؟ .. الله أعلم .. شىء يبعث على الخوف .
قال المصوعى : بماذا تتمتم يا شيخ مرجان ؟
مرجان : لا شىء يا شيخ .. لا شىء ...
المصوعى : أنت ضيفنا اليوم ..
مرجان : جزاك الله خيرا يا شيخ عبد الرب .. لدى عمل كثير هنا ، وقد وصلنا للتو ، والقبطان قد لا يسمح بذلك ..
المصوعى : دع أمر القبطان لنا ..
القبطان من خلف مرجان يقول : اقبل دعوة الشيخ يا باش ريس مرجان .
مرجان ينظر الى كلاهما ، الكلمات فى داخل فمه محبوسه . هبط مرجان الى الرصيف فاستقبله المصوعى استقبالا طيبا قائلا بعربية فصحى : أهلا بك فى بلدك الثانى يا شيخ مرجان .
انتهت الضيافه فودع المصوعى ضيفه حتى رصيف ميناء مصوع وقبل ان يصعد سلم السفينة قال المصوعى : يا شيخ مرجان ..نظر مرجان اليه فوجد فى يده حجابا بدلاية ، فقال : نعم يا مولانا .
المصوعى : هذه هديتى اليك .. ضعه فى عنقك ، ولا تدخل به الى محل الخلاء أبدا ، ولا تتركه فى مكان غير آمن ، حافظ عليه جيدا.
مرجان : هدية مقبولة يا شيخنا وجزاك الله خيرا ..
المصوعى : بلغ سلامى وتحياتى الى اخى الشيخ حكيم وأسأله الدعاء ...
مرجان : سأفعل ان شاء الله
أبحرت السفينة بعد أن افرغت حمولتها ، صدر امر الى القبطان بالتوجه الى ميناء مدراس بالهند لتحميل شحنة من هناك ، كانت اول رحلة لمرجان الى أرض الهيمالايا ، الحر شديدا والعمل فى العنابر شاقا ومرهقا . بعد انتهاء الورديه هرع مرجان الى حجرته ، نزع ملابسه ، اخذ حماما باردا ليتخلص من العرق وحرارة الجو ، قبل دخوله الى الحمام ، نزع الحجاب وعلقه فى حبل مشدود فى على ظهر السفينه بين الصوارى مع ما علقه من ملابس اخرى كان قد قام بغسلها ونشرها بنفسه .
خرج من الحمام ، ارتدى ملابسه ثم صعد الى السطح ليأخذ الحجاب .. لم يجده ، شك فى نفسه ، عاد الى حجرته ، قلبها رأسا على عقب ، لم يجد شيئا ، اعتقد أن الريح قد القى به فى البحر .
أبحرت السفينة من ميناء مدراس ، وفى طريق عودتها تلقى ربانها أمرا من ملاكها بالتوجه الى مصوع مرة أخرى قبل دخوله الى البحر الاحمر لنقل شحنة صغيرة من هناك تخص احد العملاء ، ما أن رست السفنيه على الرصيف حتى سمع مرجان صوت الشيخ عبد رب البنى ينادى . أطل مرجان من فوق الدك فاذا بالشيخ المصوعى يحمل الحجاب فى يده ويهزه يمينا ويسارا قائلا : الرساله وقلنا لا حرج ... لكن الحجاب تقصير منك ... اليس كذلك ؟
مرجان : فى نفسه - هذا الرجل يستعرض قدراته - ثم قال :سامحنى يا شيخ .. لم اكن اقصد ..
المصوعى : ما علينا .. تعال خذه ...
مرجان : اعفينى يا شيخنا اعمل معروف .. أنا لا اقدر على ذلك .. الأمانه ثقيله .. اعفنى منها من فضلك .
المصوعى : لك ما شئت .. كم ستبقى فى مصوع ..
مرجان : سنبحر بمجرد ان تنتهى عملية الشحن مباشرة .
المصوعى : سلمكم الله .. لا تنسى السلام .. انه أمانه ....
تذكر مرجان ما حدث له مع المصوعى وهو جالس الى جانب الشيخ عبد اللطيف ، وقال فى نفسه ياترى ماذا يقصد الشيخ عبد الحكيم بسؤاله عن يوم أورادى؟ ....حكاية الرسالة والحجاب وعرفناها .. لكن القطط .. ياترى حكايتها ايه معاك ياشيخ عبد اللطيف ؟.. ربنا يستر...
الشيخ عبد الحكيم : ليتك صبرت على صحبة الشيخ عبد رب الرسول يا مرجان .
مرجان : أشياء غريبه يا سيدنا الشيخ !
الشيخ : لو أنك صبرت فى المرة الاولى وفى الثانيه لتعلمت منه أشياء كثيرة .
مرجان : انه كان يعطينى الشىء ثم يأخذه بشكل عجيب .
الشيخ : كان يريد أن يختبر مدى قوة رباطة جأشك ، وثباتك
مرجان : كدت أجن يا شيخنا .
الشيخ : كان الامر فى حاجة الى قليل من الصبر .
مرجان : قدر الله وما شاء فعل .
الشيخ : نعم نعم ..
حديث عن القطط وحديث عن الارواح ، وكلام عن الجن ، وحكايات عن الاشباح ، فاخر جالس الى جانب اخيه الحاج فتحى يصغى الى ما يدور دون ان يشترك فى الحوار . لا يهتم .. ولماذا يهتم بهذه الخرافات التى يتناولها هؤلاء الناس فى كل جلسة سمر ؟ سخفا يراها ومضيعة للوقت ، لكنها على اية حال تفتح بابا للتسليه ومعرفة أشياء لم يكن قد سمع بها من قبل .. لكن هذه المرة شد انتباهه ذاك التحدى الذى لمسه من لهجة الشيخ لطيف وهو يتحدث الى مرجان الرجل الذى تبدو على ملامحة الطيبة والهدوء بل والبساطة ايضا . انفضت جلسة السمر فى الثالثة والنصف بعد منتصف الليل ، بعدما انصرفت القطط وانصرف الشيوخ .
سعدى أبو الحاج من رأس التين ، فاخر من الميناء الشرقيه طريقهما واحدة ، يعودان سويا كل ليلة ، عند نقطة الانفوشى يفترقان ، اثناء سيرهما البطىء على افريز الكورنيش العريض ، يسبحان ، بالذكر ينشغلان ...
هدوء جم يخيم على الكون فى سكون الليل ، نسمات تهب من البحر طازجه لم تلمس وجه انسان من قبل ، تلفحهما برائحتها الممتزجه برائحة البحر، تلك الرائحة التى يعشقها سكان بحرى ، تبعث فى النفس نوع من التميز ، تخطيا مستشفى الملكة نازلى ذات الواجهة الحمراء الارجوانيه ، نظرا الى الساحة المرسيه بمآذنها الشاهقه ، تتلألأ فى ظل اضوائها الخضراء ، تبعث فى النفس عزة تسمو معانيها . سعدى يسير فى اجواء نفسه سابحا مسبل العينين يستعرض على نفسه ما حفظه البارحة من سور القرءآن .، فاخر الى جانبه ينظر الى صفحة الماء المتلألأة يسترجع مع نفسه حزب الامام الرفاعى الصغير وهو يقول : وبهدير تيار امواج بحرك المحيط بملكوتك وبهيكليات علويات روحانيات املاك عرشك .... صخرة مسطحة كالمسطبة تقبع وسط الماء فى البحر ، موجة تغطيها مدا ، وأخرى تجليها انحسارا ، كان الشهر قد اقتسم الى نصفين ، واكتمل البدر ، هدوء على صفحة الماء منسدل ، فاخر ينظر الى الماء قبل افتراقهما بلحظة .... شيئا عجيبا يرى ، قطة بلون أبيض ناصع يخالطه ندف رمادى ، تجلس القرفصاء فى مواجهة قرص القمر .. شد على يد رفيقه قائلا : انظر الى تلك التى هناك ، تتأمل تأمل المفكرين فى ثبات كالصنم . ... نظر سعدى وهو يقول سبحان الله يا فاخر دع الملك للمالك .. تقطعت كقطع السحاب أمام اعينهما وتلاشت على الفور وصارت كالعدم .
سعدى : أصدقتنى ؟.. لم تكن بقطة..ها قد أزعجناها..هيا بنا من هنا
فاخر : ماذا تقصد يا شيخ سعدى ؟
سعدى : الله أعلم بها منا ..
عند الناصية الاخيرة توقفا فقال فاخرلسعدى: استودعك الله يا سعدى
سعدى : قلبك متين .. أم تريدنى أن أوصلك حتى باب داركم ؟
فاخر : لا داعى يا أخى فالتسبيح مؤنسى وربى معى .

+++++++++++++++

شقه من حجرتين فوق سطوح عمارة من الطراز القديم بالحى الراقى قريبا من الشاطىء يسكن مرجان ، كانت هى كل ما يربطه بالاسكندرية ، لا زوجه ولا أبناء ، لا اقرباء .. البحر حياته ، وحيدا يعيش ، سوى من شلة الدراويش ، جاء الى المقهى مبكرا ، جلس وحده شاردا .
من مكتبه الى المقهى مباشرة أتى فاخر افندى فرأى مرجان يجلس وحده ، فعرف أن فى الامر شىء .
فاخر : السلام عليكم يا باش ريس ..
مرجان : وعليكم والسلام ورحمة الله وبركاته يا فاخر افندى
فاخر : اراك شارد الفكر ..
ما كاد فاخر يتفوه بهذه العبارة حتى كان الشيخ عبد اللطيف قد حضر ومعه كل من الشيخ عبد الحكيم وصابر الاسوانى ، حضر المتر سعدى ابو الحاج ، جلس الجميع ، حياهم الحاج فتحى ، طلب من السفرجى أن يحضر المشروبات ، قاروصة سجائر كاملة لتحية الحاضرين .
مرجان : اسمع يا حاج فتحى ..
الحاج فتحى : نعمين يا شيخ مرجان ..
مرجان : أيرضيك ما فعله بى الشيخ لطيف البارحة ؟
الحاج فتحى : ماذا فعل بك أخونا الحاج عبد اللطيف ؟
الحاج عبداللطيف : ماذا حدث لك يا باش ريس مرجان ؟
مرجان : الا تعرف ماذا حدث لى يا سيد عبد اللطيف ؟
الشيخ عبدالحكيم : قل يا شيخ مرجان .. احكى .. نحن لك أذان صاغيه .
مرجان : ان كنت تظن أن افعالك أفزعتنى فقد أخطأت
سعدى ابو الحاج : ماذا حدث أيها الرجل الطيب ؟

+++++++++++++++

سكون الليل ، تيار منخفض ، ضوء خافت ،انفراديه ، كلهم صحبوا مرجان فى وحدته فوق السطوح ليلة البارحة ، تلى راتب اللطيف فوق المائة الف وصل – هكذا روى – فجأة ظهر فى ركن الحجرة قط أسود سمين مرتفع القامه ضخم الوجه ناتىء الوجنتين .. ناء نوءة واحدة فارتجت جنبات الحجرة وانكفأ مرجان فوق الحشوة القطنيه التى كان يستند اليها ، اخترق أذنيه صوت القط يحدثه : ماذا تريد منى يا مرجان ؟
قفز مرجان من مجلسه ، ترك الشقه مفتوحه ،انطلق الى الشارع كالسهم ، الساعة جاوزت الثالثه والنصف بعد منتصف الليل ، امام باب العمارة جلس حتى انطلق أذآن الفجر.
الشيخ عبد اللطيف : ينظر الى مرجان بعينيه الخضراوتين ويقول :
الى أى مدى وصلت يا شيخ مرجان ؟
مرجــــــــان : الى أن طلع علـّـى القط الأسود ....
عبد اللطيف : ليتك صبرت عليه ولم تهرب ............
مرجــــــان : فك جماعتك عنى يا مولانا ...........
صبرى الاسوانى : سلام تعظيم لقطط شيخنا عبد اللطيف ....
الشيخ عبد الحكيم : الزم يا صابر ، لا داعى لهذا الكلام ......
فاخــــــــر : أراك اعطيت الموضوع حجما اكبر من حجمه يا شيخ مرجان .
مرجــــــان : ماذا تقصد يا فاخر افندى ؟
فاخـــــــــر : ربما تهيأ لك ما تقوله .....
مرجــــــان : لو كنت مكانى لما قلت هذا الكلام .
فاخـــــــــر : عموما كان يكفيك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأن تثبت فى مكانك .
مرجـــــان : سبحان الله .. ليس من رأى كمن سمع ...
سعد ابوالحاج : الشيخ عبد الحكيم يبلغكم بأن مكان تجمع جلوة رمضان سيكون فى باحة جامع الشيخ .
عبد اللطيف : كل عام وانتم بخير يا جماعة
الحاج فتحى : ان شاء الله يكون جمعنا عند الحبيب النبى العام القابل .
سعدى ابوالحاج : آميــــــــن .
عبد اللطيف : اسمع يا شيخ مرجان .. أود أن اقول لك بأن
ما حدث بالامس ليس لى به علاقه من قريب أو بعيد .
مرجــــــــان : كيف
عبد اللطيـف : كل ما هنالك انك زدت فى العيار قليلا ، وبغير ترتيب. .
عبد الحكيم : اسمع يا شيخ مرجان قلت لك الف مرة لا تزد عن عشرة الاف ، وعليك أن ترجع الــّـى بعد اتمامها.
مرجـــــــان : بطلت خلاص يا مولانا .
عبد الحكيم : هذا افضل .. حتى تعى ما أقول ...
فاخـــــــــر : ليس هناك أفضل من تلاوة القرءأن يا شيخ مرجان ثم ماذا تريد من ورآء ما تفعله ...؟
الحاج فتحى : موجها حديثه الى مرجان .. ربما تأتيك اشياء لا تستطيع صرفها ياشيخ مرجان ، فالزم ما يقوله لك شيخنا .
التفت سعدى أبو الحاج الى صابر الاسوانى ومرجان وقال لهما : الشيخ يطلب منكما أن تجهزا البيارق والاعلام ، وأن تلتزما بتعليماته التى سبق ان قالها لكما ، خصوصا عدم اظهار التباهى ، والاتيان بأشياء يكره أن يراها.
مرجـــــان : أتعنى اننا لن نحضر معنا الدفوف والطبول والصاجات ؟
سعدى : ثلاث دفوف فقط وطبلة واحدة وصاجه واحدة .

جاوزت الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل استأذن فاخر الحاضرين فى الانصراف . سار فى طريقه المعتادة ، فوق افريز الكورنيش ، وقبل أن يصل الى التقاطع بأمتار فوجىء بالقطة ذاتها تجلس القرفصاء فوق نفس الصخرة والمياه من حولها ، استدار نحوها حتى التصق بحاجز الكورنيش البازلتى ، لم يكن بالطريق احد سواه ، الناس نيام والليل ضارب الكون بظلمته ، أعمدة الانارة معطلة ، هدوء رهيب ، حاول جذب انتباهها فالتقط حجرا من فوق الارض وقذف به الى الماء ، لم تتأثر ، لم تتحرك من مكانها ، اغتاظ ، ثبات ، لامبالاة . التقط حجرا آخرا ، صعد فوق حاجز الكورنيش ، ألقى به فى اقرب مكان منها ، لم تتحرك ، اشتاط غيظا، أقطة حقيقيه هى أم قطعة صنم من حجارة صلده ، أم هى خيال يترآءى له ؟ .. لم يجد مفرا من النزول الى الصخور السفليه مانعة الامواج حتى اصبح على اقصى حافتها ، ليس بينه وبين الماء شيء ، من هناك القى بالحجر الثالث فسقط بالقرب من كتفها الأيسر ، كاد أن يسقط فوق رأسها ، لكن الله سلم . ببطىء شديد ووقار جم ، استدارت اليه ، حملقت فيه بعينيها ، اهتز كل كيانه اهتزازا ، لم يتبقى جزء فى جسده لم يرتعد حين تطلع الى عينيها الغاضبتين وحاجبيها المقتضبين ، هكذا وقد أصبحا وجها لوجه ، تظاهر بالاستقواء عليها ، تناول حجرا رابعا وأطلقه عليها ، فسقط عند اصابعا ، قامت منتصبه على قدميها ، رفعت الى السماء كلتا يديها ، تتمايلت يمينا ويسارا كراقصة باليه ماهرة ، كلما تحركت الى جهة تمدد جسمها وبهت لونها ، اختلطت الوانه بألوان الفضاء ، مادة أذيبت فى محلول ، كلما حركت تلاشت .. انتهت .. اختفت .. كالعدم صارت . ، قلب فاخر كاد أن يتوقف ، لولا أنه لم يفتر عن الاستعاذه بالله من الشيطان ، لم يتوقف لسانه عن التسبيح ، سلام قولا من رب رحيم .. سلام قولا من رب
رحيم ............
اسرع الخطى الى منزله ، ارتقى الدرج بسرعة فائقه وصل الى الشقه ، أغلق عليه الباب ، جلس شاردا .لم يستطع فاخر النوم وظل حتى الصباح .
عندما توجه الى عمله جلس فى غرفة مكتبه يفكر فيما حدث له بالأمس ، لم يجد تفسيرا ...
فى المساء التقى مع الشيخ عبد الحكيم ، روى ما حدث ، طلب اليه أن يكتم ما رءآه ، لا يحدث به أحدا ، سيكون له مع هذا الامر حال لم يحن وقته بعد .... هكذا قال الشيخ .......

+++++++++++++++

من ساحة جامع الشيخ انطلقت الجلوة ، سارت فى مسارها المعتاد وصلت الى شارع السيد محمد كريم ، ومنه الى الساحة المرسيه ، قبل وصول الموكب الذى فيه الشيخ عبد الحكيم ومريديه الى الساحة وعند الباب الرئيسى لمسجد الأباصيرى صاحب بردة المديح النبويه ، وقف الموكب قليلا ، الطبل والدفوف تدق والصاجات ترن وتقدم صابر الاسوانى بعيدا عن مرأى الشيخ ، كشف عن بطنه ، أمر الطبال أن يدق دقه المغراز ، دقه لها رتم واحد بدف ودم ، وصاجه ، رتم يتماشى ولفظة ( الله ) مكررة على ايقاعاتها .
طلب صابر من عامة الحاضرين الذين كانوا يصطفون على الجانبين الا يشبك احد بين يديه ، أو يعقد بين اصبعيه ، أو يكتف ذراعيه ، أو يعقد عقالا أو ثوبا ، أو حتى دوباره ، راح يفتش على ذلك بنفسه بين الحاضرين حوله ، طلب من صاحب الدم والصاجات الالتزام بالرتم المطلوب ، أوصى الطبال بخنق الايقاع ، فلما أحسن بأن جسده بدأ يستجيب للايقاع أمرهم بزيادة وتيرته ، اقترب من صبى يعلق جرابا على كتفه فأخرج له مغرازا من الصلب جاوز طوله النصف متر له مقبض مكورمن نحاس . أمسك
الاسوانى مقبض المغراز بكلتا يديه بعد أن تفل فيهما ودلك موضع صرته ، تطلع الى أعلى حتى برقت عيناه ، صاح بأعلى صوته : الله اكبر ، بسرعة طعن نفسه بالمغراز بكل قوته وظل يدفعه الى الداخل حتى غاص فى بطنه ، وكلما غاص السيخ فى بطنه كلما تقوس جسمه اكثر فأكثر ، فلما وصل المغراز الى آخره كان جسمه قد تحول الى ما يشبه الكورة مثلما يتكور القنفد ، وبعد ذلك هوى الى الارض .
ظل ملقيا على الارض حتى ظن الناس انه مات ، فتجمعوا حوله ، لكن مرجان اسرع اليه ، وعدله فى وضع السجود ووقف بكلتا قدميه فوق ظهره ، راح يركله بقوة ، كلما ركله ركلة انفرج جسمه ولآنت تشنجاته حتى عاد الى طبيعته مع كثرة الركل بقدمى مرجان ، وقف صابر الاسوانى مزهوا بما فعل بينما الشيخ منغمس فى بطنه الى آخره ولم يظهر منه سوى المقبض النحاسى ، وراح يدور على الناس ليريهم ما ببطنه ، وبعد أن شاهد الناس ما صنع بوضوح ، طلب من الطبالين تغيير الرتم فغيروه ، وقبض على المقبض وبسرعة نزع المغراز من بطنه ، وظهر مكان الثقف التهابا واضحا ، ونقطه سوداء داكنه ، دلكها بتفالة من فمه فتلاشت ، صفق الناس وطلبوا منه أن يعيد الكره ففرح وبعد فترة قصيرة كشف عن بطنه واعاد الكرة مرة ثانية ، ولكن هذه المرة لم تسلم الجرة ، انكسر المقبض اثناء جذب المغراز وانهار صابر الاسوانى أمام الناس جميعا ، وانكمش بعد انفراده ، وطأطأ رأسه بعد زهوه وافتخاره ، صاح يبكى ثم سقط على الارض يصرخ من شدة الألم وجاءه أبناءه الصغار يهرعون اليه يبكون ومن بينهم الصبى الذى كان يحمل جراب الاسياخ ، احتضنهم فى مذلة وهو يرتعد من شدة الألم ، وبدأ مكان السيخ يلتهب ويتورم ، وأسرع مرجان الى الشيخ ، الذى رفض أن يفعل شيئا ، وغضب مما سمع ، وقال لمرجان : فليتحمل نتيجه ما صنع .. لقد حذرته على لسان سعدى أبو الحاج فلم يمتثل ، تباهى أمام الناس بشىء لا يجوز له فيه التباهى .. اتركوه ..
لما علم صابر بذلك ارسل ابناءه يتوسلون الى شيخه ، الذى طلب ان يحملوه اليه فأتوا به : صرخ صابر اما م الشيخ ، وطلب ان يسامحه ، تجمع الناس وتوسطوا له عند الشيخ ، الذى اشترط ان يتعهد بالا يعود لمثل هذا ، فأقسم ، فقال له الشيخ : فلتحمل كل ادواتك وطبولك ، ولا ترينى وجهك مرة اخرى ، هز رأسه بالايجاب ، أشار الشيخ الى سعدى ابو الحاج وعبد اللطيف ، فقرؤا شيئا .. بعدها تمكنوا من استخراج باقى السيخ ، خرج مع السيخ قليل من الدم فدلكوه بتفالة . قام صابر يئن وحمل امتعته ورحل .
تمـــــــــــــــت






م

الجـــــدائــــل والعقـــــد - لصلاح ابوشنب



الجــــدائل والعقـــــــــــد

قصة لصلاح ابوشنب

جميلـــــة وهى حقا جميلة تلك القروية ذات الشعر الاصفر المجـــــدول والذى يشبه جدائل الذهب البندقى الخالص أحبها وهــــــــــى صغيرة وانتظرها شطرا من العمر حتـى نضجت وتزوجها بمباركة الاهل . كان عرســـا تحدثــت عنـه القرية بكاملها لسنوات ، احبها حبا شديدا لكنها لم تكــــن تعـرف ماذا تعنى كلمة حب ، كان يعود من عمله فيجدها تصنــــع اصناما من صلصال وتشكلها على هيئة عمدة وشيخ خفر وعساكر ثم تضع عروستها المحشـــوة بالليف الشجــــرى فــــوق السرير النحاسى الذى تتدلى من حوله ستائر التل الابيض مـــــــن كل النواحى كأنه هودج . تـَصُّف عساكرها وخفرائها من حـــولها وتـُجْلِس العمدة عن يمينها وشيخ الخفراء عن يسارها كمـــا لو كانت أميرة من أمراء الف ليلة وليلة أو حُورية من حوريــات الفردوس . بمجرد ان يدق زوجهـــــا باب الــــدار تســـارع بالاختباء تحت السرير وتتفلت من بين يديه هروبا فى ارجــاء الدار. يركض خلفها من غرفة الى غرفه ركضا بطيئا عامــدا أيـــاه ، فهــو لا يرغــب اللحـاق بها كى لا يفزعها فتزداد منه نفورا.
كان يَرْشُقها بكلمات الغـــزل وهو خلفها يهرول هرولة الاحبه وليس هرولة العساكر والحــرامية ، لم تكن تلتفت اليه ولا الى كلماته الجميلة ولا اعارتها اهتماما . حين كان يصل يقينها الى درجة الصفر وهــــى واقعة بين يديه لا محالة تكْمُنُ فى ركن بين كُوّةِ التنور والـــّدرج كما يكمن طير السمان حينما تخونة اجنحته مواصلة الطيــران . تجلس القرفصاء مستسلمة وكأنها تصلى فى محراب البتول يحتويها الركن اللبنى السميك. يرفـع الخوف الكامن فى صدرها الراية البيضاء تضامنا مع احتجاج جوارحها ، تطأطأ رأسها وبحركة سريعة تغطى كامل وجهها الـــذى يُشعُ براءةً وجمالاً يتحدى ملكات العروش مصطنعى العيون والرموش ، الممتلئه وجوههن بالاصباغ والرتوش . راية بيضاء مرفوعة فى شديد من الحيـاء موضوعــه . كانت لحظة اللقــاء بينهمـا صعبة المنال ، فما ان يقترب منهــا حتى تصده بقولها : - عيب هذا الذى تفعله يابن العم . ما ان يسمع تلك الكلمـات حتى يتأخر عنها ويبتعد . تتراخى أعصابه وتتراجع أصابعه ويتبدد اشتياقه . يربت على كتفيهــا برقه وحنان . ينسحب فى هدوء الى مجلس الرجـــال . يجلس علـــى الدكه الخشبيه يلعق فلتر الدخان بعد أن تكون السيجارة المعـدن الكوتاريللى قد احترقت عــن آخرهـــا . فـــى تلــــك اللحظـــة يشعـر عفيفـــى بالخجل ممــا يفعل وتتملكه لحظــــة صمــت يتوقف فيها عن الحركة ويطرق نحو الارض . ينطلق تفكيـره مـــع انطلاق سحب دخان سيجارته ، ترى هل كان مخطئا حين قبـل الزواج مــن تلـك الصبيه البريئه التى لا تعرف من دنياهــا سوى الدميه والعسكر والعمدة وشيخ الخفر والى متى سيظل يعانى مــن تلــك التصرفات الطفوليه وهــذا الصـــد المتكـــرر ؟ لقد أحبهـــا منــذ أن شاهدهــا لاول مرة تجـرى فــى ارجاء بيت ابيها الذى هـــو عمه بجدائلهـا الذهبية المتدلاة ، ولم تكن قد بلغت عامها السابــع ، كانــت رائعــــة الجمال منـــذ ولادتهــا ، لم تنجب نساء القرية من تضاهيهــا ، وكأنهــــا أتــــت مــــن احــدى قرى اسكندينافيه . منذ تلـــك اللحظة عقــــد فـــى نفسه العزم على أن تكـــون تلك الصغيرة هى زوجة المستقبل . عـاد مـن الحقل ذات مساء بعد أن باشر الأُجَرَاء والمَكـَاِريين يملئه الشوق ويدفعه الحنين الى الالتقـاء بمعشوقــة قلبـــه . وجــــد الدار خاليه . دلف الــــى دار عمــه التى لا تبعد سوى خطوات فوجدها هناك .. رفضت العودة . تنحت بها امها جانبا وسألتها هل يؤذيك بن عمك يا بنيتى ؟ لا يا أمى .
الأم : اذن فلماذا تركت الدار ؟
جميلة : انه يريدنى أن اتخلى عن ملابسى !
لم تفلح محاولات الأم فى اقناعهــا بالعودة الى بيت زوجها فتم الطلاق فى هدوء دون أن يشعر احد . كانت جميلــة ما تزال بكرا ، سارعت امها بخطبتها الى بن اختها درءا للقيــل والقال رغم معارضة الاب ، كثير من العرسان تقدموا ولكـــــن الام فضلت بن شقيقتها وتمت الخطبه وسافر العريس للعمـل . لم تنقطع زيارات عفيفى لـــدار عمه فهو الذى رباه بعد وفاة ابيه وكان اقرب الناس اليه ، ولكن السنة الناس بــــدأت فى اطلاق الشائعات . أرسلــت شقيقات العريس الجديد الى اخيهم تبلغانه بأن زوجها الاول لم تنقطع قدمــاه عـــن الدخول الى دار عمه فهاج وماج وعاد مسرعا . عُقد المجلس العرفى .. وقــف العم وسط الحاضرين ليعلن انه لا يستطيع منع بن اخيه من دخـول البيـــت . قـــام شيخ المجلس وســـأل العريس ان كــان يرغب فى حسم القضيه فليذهب من فوره لاحضـــار المـــأذون لعقــد القران واخذ عروسة الى داره ، لكن العريس تلكأ وتلعثم . ما ان سمعت جميلـــة قول شيخ المجلس حتى جاء صوتها من خلف الحجاب لتعلــن تضامنها مع ابيها وتقر بأنها سوف تعود الى بيت عفيفى . عـادت جميلة الى بيت عفيفى بنفس راضيه وقلب مفعم بالحــب وكأن كــل كلمــات الغــزل التى كان يبثها عفيفى فى خزانة صدرها قد خرجت دفعة واحدة وتحولت الى حب عارم كانت نتيجته انجاب اربعة توائـــم دفعة واحدة كلهم ذكور ، وما كادت لتنقضى فترة الرضاع حتــى اثقلت بحملها الثانى . ذات ليلة من ليالى شهرها التاسع واثناء قيامها باعداد طعام العشاء خرجت منها صرخة استغاثه ، وقبــل ان يصــل اليها عفيفى كانت قد غُشى عليها وسقطت على الارض . فــى المستشفى وفى اللحظة الأخيره قبل ان تنطلق روح جميلة الى ربها استطاع الاطباء انقاذ ثلاثــة أجنــة ذكور اصحاء . . حـًبٌ جارفٌ وِِحِملٌ ثقيلٌ تركته لعفيفى ورحلت عن دنيانا مسرعــة . . اثناء المأتم هََمَسَتْ دمُـــوعُ عفيفــى فــى اذن عمه : هل توافق يا عم ان تزوجنى من ابنتك الاخرى ؟ قال الاب والدموع قد غسلت وجهه والكلمات قد احتبست فى حلقه : وهل هذا وقته يا ولدى ؟
عفيفى : غصب عنى يا عم .. والله غصب عنى .. لقد همست احداهــــن فى اذنى عند المقبــرة قائلة : لقـد عَقـّدَت بعضُهـن جدائل شعر زوجتك اثناء تكفينها بسبع عقد .!!
برقت عينــا العـــم وهو يسمع تلك الكلمات ثــم قال : ولماذا لم تقفز خلف بنت عمك وتفك العقد ؟
عفيفى : كنت منهاراٌ يا عم .. ثم اين تلك الأصابع التى تتجاسر على فعـــل ذلك بجميلـــة .. لا استطيـــع ان افعل ذلك حتى لو كفـّنونى معها .
العم : وماذا انت فاعل ؟
عفيفى : يقولون اما ان أحــل العقد السبع بنفسى أو اتزوج قبل أن يَحُل الأربعين .. أو ابقى خارج الخدمة لمدة سبع سنين .....

مجـــــــرى العيــــــــــــون - قصة مترجمة من الادب الاسبانى بتصرف لصلاح ابوشنب




مجــــــــــــــرى العيــــــــــــون
قصة مترجمة من الادب الاسبانى بتصرف
( فى حلقه واحده)
لصلاح ابوشنب

بالقرب من وادى الرملة وبجانب نهر الايريزما تقع مدينة سجوبيا ، وهى مدينة عتيقه فاق سكانهاليوم النصف مليون نسمه ، الجزء القديم منها مقام فوق هضبة هائلة الضخامه ومن اكثر اثارها شهره الاثر الرومانى الذى يتمثل فى قناة العيون التى أنشأت من أجل تغذية المدينة بالمياه العذبه ، تنساب المياه الى هذا المجرى آتيه من نبع يسمى " فونتى فريا" - Fuente Fria- أى النبع الصاقع ويقع على بعد ستة كيلو مترات من سجوبيا ثم ينحدر من فوق جبل قريب من المدينه وعند نقطه الانحدار يبدأ المجرى العتيق فى استلام المياه وتوجيهها فى مجراه .
وبرغم من بساطة البناء الا انه يعد بالكلية عملا فنيا ومعماريا رائعا تم بناؤه على عهد الامبراطور الرومانى القيصر أغسطس أى مما يقرب من الفى عام .
يبلغ طول القناه حوالى ثمانمائة متر تقريبا وتتشكل من مائة وسبعون قوسا حجريا على طابقين من الاقواس المركبة فوق بعضها البعض ، ويبلغ ارتفاعه عند قوس المنتصف ثمانيه وعشرون مترا .
وبرغم مرور الزمن الذى بلغ قرنين من الزمان الا ان البناء مايزال قويا متماسكا رغم عدم احتوائه على أية مواد لاصقه مثل الاسمنت أو الجص أو ما شابه ذلك .
قبل بناء مجرى العيون كان أهالى سجوبيا يحصلون على مياه الشرب عن طريق نبع بعيد عن مدينتهم بالقرب من الجبل العالى ، وكانت تلك مهمه شاقه تستلزم الاستيقاظ مبكرا ، وحمل الماء فى جرار فوق الاكتاف والسير بها فى طريق متعرجه ليست معبدة ، وكان البعض الاخر يستخدم الحيوانات لنقل تلك الجرار مثل الحمير والبغال ، وكانت عملية احضار المياه تشكل عبئا ثقيلا على أهل كل دار.
ومن المعروف تاريخيا أن الرومان هم الذين بنوا تلك القناطر العجيبه ولكن للاسطورة رأى آخر كما هو الحال دائما ، حيث تجنح الى اختراع الاعاجيب والاحاكى الشيقه .
منذ زمن بعيد عاش فى سجوبيا قس عجوز فى منزل يضم شقيقته سارة وابنتها ماريا ، وكانت المرأتان لا تدخران وسعا فى الاعتناء بالدار ورعاية الرجل العجوز برفق وحب وحنان ، كانت الفتاة تسبق والدتها فى ترتيب الدار وتنظيفها واعداد الطعام ، ولم يكن هناك شىء اثقل على ماريا من مشوار احضار المياه العذبه من بئر الجبل ، وكانت تلك الرحلة الصعبة تشق عليها كل يوم فتغص حياتها وتجعلها تبيت تفكر فى غدها وكيف ستحضر المياه من المبئر ، فالجرار ثقيله والطريق متعبه وقد اثرث الجرتان على عظام كتفيها فجرحتها وشوهت جلدها .
ولأن ماريا هى الفتاة الوحيدة لدى والدتها ولم يكن هناك من شخص آخر يحمل عنها هذا العبىء الثقيل ولو ليوم واحد ، فقد اصبح لزاما عليها أن تستيقظ من النوم لتفكر فى الذهاب الى البئر ، وكان ذلك هو واجبها اليومى الذى لم تستطع الفكاك منه ، وفى كثير من الاحيان كان الماء يستنفذ بسرعة فكانت ماريا تضطر الى الذهاب اكثر من مرة الى البئر لاحضار جرة أو جرتين أخرتين .
كانت ماريا اثناء سيرها فى طريقها اليومى المتكرر لاحضار الماء تندب حظها بأغنيه أو شعر حسير ، تتحسر فيه على حالها وسوء حظها ، فذلك العبىء المستديم لم يخفف عنها ولو لمدة يوم واحد لا فى فصل الصيف ولا فى فصل الشتاء ، فى الصيف تقطع الطريق الى البئر متجهة الى الجبل فى طريق وعرة وموحشه وساكنه ، يلفحها حر الصيف المتوهج فتسرع الى التوارى خلف ظل شجرة أو صخرة ، وفى الشتاء ترتدى اثقل ما عندها من ثياب حيث تصبح الطريق مغمورة بالثلوج التى تغطى المكان كثوب من القطن الابيض المنفوش ، فهى كل يوم أما صاعدة المنحدر لجلب الماء أو هابطه منه متجهة الى الدار.
لم يكن يشغلها فى ذلك الطريق سوى أن تحلم وتحلم .. تحلم باليوم الذى تتخلص فيه من هذا المشوار المضنى .
كان فصل الصيف شديد الحرارة على خلاف العام المنصرم وكان جبين ماريا يتصبب عرقا وكان الوقت ظهرا والحرارة على أشدها عندما طلب منها خالها القس العجوز التوجه الى البئر لاحضار الماء . استاءت ماريا من طلب خالها ، وتململت فى الذهاب لاحساسها بشدة حرارة الطقس وبعد المسافه لكن الرجل صاح بعلو صوته ينهرها ويطلب اليها الاسراع باحضار الماء قبل ان يحين وقت تقدم طعام الغذاء حيث ان الماء الذى احضرته البارحه قد نفذ ولم يتبقى فى الجرار أى نقطه منه ... حاولت ماريا تجاهل الخال ولكنه لم يكف عن الصياح .. ماريا .. الم اقل لك اذهبى الى النبع واملىء الجرار .. الم تسمعى .. أم انك صماء ؟
ماريا : الجو شديد الحرارة يا خال ..
العجوز : لم يعبأ باعتراضها ، وقال : أشعر بعطش شديد
وليس لدينا قطرة ماء .
ماريا : سوف اذهب يا خال ولكن بعد ميول الشمس ..
العجوز : لا بل ستذهبين الان وقبل ان تميل الشمش
ماريا : لا استطيع يا خال .. قلت لك الجو حار حار
جدا.
الام : اسمعى كلام خالك يا ماريا لانك لو انتظرت حتى
ميول الشمس فسوف تعودين الى البيت وقد حل
الظلام ونخشى عليك من الطريق وانت وحدك .
تأفف البنيه وحملت الجرتين على مضض ،
واحدة فوق كتفها والاخرى فوق خاصرتها
واحتضنتها بذراعها ، وانطلقت فى طريقها تتمتم
بكلمات سخط غير مفهمومه .
قالت ماريا لنفسها متى اتخلص من هذا العمل
المتعب .. العجوز لا هم له سوى اذهبى ياماريا
واحضرى ماءا صاقعا من النبع وهو لايدرى ان
شدة الحرارة سوف تجعل الماء حارا اكثر من
اللازم خلال الطريق الطويل من البئر الى البيت؟
الا يعرف ذلك .. أين الرحمه عند هذا العجوز؟
ما ان وصلت ماريا الى مكان النبع حتى كان الظمأ قد أخذ
منها مأخذه فانكبت على حافة النبع تعب من ماءه البارد وتملأ به جوفها الحار ثم بللت وجهها وشعرها الناعم المنسدل فوق كتفيها ثم جلست ترتاح قليلا .
استطاعت ماريا ان تملأ الجرتين بسرعه وحملتهما واستدارت لتبدأ طريق العودة الى البيت .
هبطت ماريا من اعلى الجبل ببطىء خشية ان تنزلق قدميها فتسقط وتنكسر الجرتين فتتلقى عقابا قاسيا من العجوز، انتهت من المنحدر وأصبحت فى الوادى ، لكن الطقس كان حارا وسريعا ما تصبب العرق من وجهها وأحسب بتعب شديد من ثقل الجرتين ، وتمنت لو كانت جرة واحدة بدلا من اثنتين . لمحت على الطريق شجرة ظليلة فأسرعت اليها وجلست تحتها بعد أن اراحت الجرتين على الارض ، ثم جلست مسندة ظهرها الى جذع الشجرة ، وفى لحظات استمتاعها بالراحة فى هذا الجو الموحش راحت تنظر من بعيد الى المنحدر فاذا بها ترى ظل يتحرك الى ناحيتها ببطىء .. ظل يشبه ظل الانسان آت نحوها ، حاولت ان تفرك عينيها لتتبينه جيدا فلم تستطع ان تحدد ملامحه وشيئا فشيئا راح الظل يقترب ويقترب حتى استطاعت ان تتبينه جيدا فاذا هو بشاب فارع الطويل وسيم الوجه لم تشاهد فى حياتها شابا بذاك الجمال وتلك الوسامه ، حتى انها لم تستطع ان تحول ناظريها منه الا عندما اقترب منها تماما وخاطبها قائلا :
- مساء الخير يا ماريا ..
كادت ماريا ان تفقد صوابها عندما نطق الشاب باسمها دون سابق معرفة به
اسرعت بقولها : كيف عرفت اسمى ؟
الشاب : انا أعرفك جيدا يا ماريا .. اعرفك جيدا ..
ماريا : ولكنى لا اعرفك .. لم ارك فى حياتى مطلقا ..
الشاب : ولكنى انا اعرفك بل واعرف بماذا تفكرين الان..
ماريا : وبماذا افكر الان ؟
الشاب : تفكرين فى الذى يخلصك من هذا العناء اليومى
الذى أضناك وأتعبك كل يوم .. اليس كذلك ؟
ماريا : هذا شىء غريب .. وكيف عرفت ذلك ؟
الشاب : لا تسألينى عن ذلك ..
ماريا : وعن ماذا يمكن أن أسألك ؟
الشاب : اسألينى مثلا متى يمكن ان ترتاحى من هذا
العناء ؟
ماريا : وهل تعرف متى يمكننى أن ارتاح من هذا العناء؟
الشاب : نعم اعرف ..
ماريا : انت تسخر منى
الشاب : أنا لا اسخر منك .. فقط جربى واسألينى ما قلته
لك .
ماريا : فلنرى .. قل لى متى يمكننى ان ارتاح من هذا
المشوار المتعب ولسان العجوز السليط ؟
الشاب : وما رأيك فى أن يصل الماء الى سجوبيا نفسها
دون الحاجة الى ذهابك كل يوم الى النبع ؟
ماريا : انت تتحدث عن المستحيل .. وكيف يصل الماء
الى المدينة وبينها وبينه كل هذه المسافه ؟
الشاب : لا يوجد شىء مستحيل .. اذا وافقتى على
شروطى ...
ماريا : اذا كنت صادقا فيما تقول فانا اوافق على شروط
من قبل ان اعرفها ...
الشاب : توافقين على شروطى من قبل أن تعرفينها ؟
ماريا : نعم أوافق .. فلا يوجد عندى اصعب من هذا
المشوار واننى ابحث عن راحتى منه بأى ثمن !
الشاب : أتوافقين على اعطائى روحك يا ماريا ؟
ماريا : كيف اعطيك روحى ؟
الشاب : قولى أوافق على اعطائك روحى ..
ماريا : لا .. لا أوافق على اعطائك روحى الا ؟
الشاب : الا ماذا يا ماريا ؟
ماريا : الا ان تعدنى بتنفيذ ما قلت
الشاب : اذن قولى : لن اوافق على اعطائك روحى الا اذا
نفذت ماقلت باحضار الماء الى سجوبيا .
ماريا : لا اوافق على اعطائك روحى الا اذا أوصلت الماء
الى مدينة سجوبيا والان .
الشاب : ليس الان ولكن غذا .. ما رأيك ..
ماريا : أوافق .. ان غدا لناظره قريب ...
كانت ماريا على ثقه بأن هذا الشاب يمزح ولن ينفذ أى شىء مما قاله لها : وكيف تعطيه روحها هل هى تملكها .. طبعا لا .. اذن فهو يمزح .. نعم يمزح .. انه يمزح .. اليس كذلك يا ماريا ..
الشاب : ماذا تقولين فى نفسك ياماريا ..
ماريا : لا .. لاشىء .. لا اقول شىء ..
الشاب : انك تقولين بأننى امزح .. وكيف ستعطينى روحك
الخ الخ .. اليس كذلك ..
اندهشت ماريا للمرة الثانيه وهى تنظر اليه فى
استغراب وقد داخلها الخوف منه لا سيما بعد
أحست بقشعريرة استولت على كامل جسمها .
وقالت لنفسها : انه عفريت .. شبح .. عفريت
.. لا لا انه جنى اليس كذلك انه جنى .. لانه
وسيم جدا وسيم جدا جدا يا ماريا ..
الشاب : ماذا فى الامر يا ماريا اين ذهبت ..
ماريا : لا لاشىء ولكنى افكر فى كيفية احضارك الماء الى سجوبيا وكيف سيقطع الماء كل هذه المسافه بين الطريق الجبليه الوعرة المحصورة بين الجبلين العاليين .. كيف سينتقل الماء من جبل الى جبل ..
الشاب : هل تقولين ذلك لانك تخافين أن آخذ روحك ..
ماريا : اذا كنت تريد الاستيلاء على روحى فسوف يجعلك ذلك تنتظر زمنا طويلا .. فأنا فتاة صغيرة والعمر أمامى طويل
يعنى عليك ان تنتظر حتى اصبح عجوزا وتكون انت قد مت واندثرت فى التراب ..
الشاب : انت لا تعرفين مدى قوتى
ماريا : انت تتكلم مثلما يتكلم المجانين .. هذيان فى
هذيان ...
الشاب : قلت لك يا ماريا بأننى لا امزح ولا اهذى
ماريا : اذن ان كنت حقا جاد فعليك باحضار الماء الى
سجوبيا قبل طلوع فجر الغد عندها فقط سوف
أتيقن بأنك جاد .. جاد حقا ..
الشاب : لقد وافقت على شرطك يا ماريا ولن اسمح لك
بأن تتخلى عن وعدك لى اتفهمين ..
ماريا : اتفقنا ..
الشاب : تذكرينى ياماريا تذكرينى وسوف اكون بجوارك
طوال حياتك ...
قال الشاب تلك الكلمات وأخذ يرجع الى الخلف وكلما عاد الى الخلف تلاشى شيئا فشيئا حتى اختفى تماما وهى تنظر اليه فى خوف ودهشه ورعب قاتل ايضا ، لكن جماله هو الذى كان مطمئنا لها من الصراخ ، لانها كلما حاولت ان تصرخ وتنهض هاربه من امامه نظر اليها بعينيه الزرقاوتين الجميلتين وابتسم اليها ابتسامه تجعلها تصمد فى مكانها تتطلع اليه والى جماله .
حملت ماريا جرتيها وسارت عائده الى دارها ولم يفارقها التفكير فى ذاك الشاب الجميل وهل ياترى ما قاله لها هو من قبيل المزاح أو هو نكته اراد أن يتسلى بها هذا الشاب القروى الوسيم مع فتاة صغيرة ساذجه مثلها ؟
وهكذا اخذ الشك يجذبها تارة واليقين اخرى الى ان وصلت الى دارها فسكبت الجرتين فى الماجور الكبير ، وكان العجوز قد استقبلها بوابل من الشتائم لتأخرها حتى اصبح المساء على الابواب ، ولم تسلم أيضا من لوم امها على ذاك التاخير الغير عادى ...
دخل الليل على سجوبيا ونام الناس وظلت ماريا مستيقظه لا يأتيها النوم ، كانت تفكر فيما حدث لها فى الطريق وفى جمال الشاب ووسامته وبينما هى كذلك اذهبت على المدينة ريح عاصف ، فتحت ماريا النافذه بهدوء ونظرت الى خارج الدار فاذا الريح تزمجر وقد اقتلعت الاشجار وسمعت صوت صخور هادره تسقط من اعالى الجبلين اللذان يحيطان المدينة من طرفيها ودويا هائلا وارتطام احجار باحجار وأحجار بالارض وما هى الا لحظات حتى كان المطر ينهمر بشدة حتى ملأ الشوارع والحفر ، كان الرعد قويا والبرق اقوى ، وخافت ماريا وارتعدت وهى تسمع كل ذلك ، ارادت ان توقظ امها والعجوز ولكنها وجدتهما يغطان فى نوم عميق وكأنهما لايسمعان شىء مما يحدث مطلقا .
أغلقت ماريا النافذه وقبعت فى مكانها الى انتهت الاصوات وهدا المطر وسكن كل شىء من جديد .
أشرقت الشمس على وادى الرمله فظنت ماريا ان الناس سوف يخرجون من بيوتهم فيجدون قطع الحجارة التى كانت تسمع هديرها متدحرجه من فوق الجبال ملقاة فى الطرقات فخرجت مسرعة بعد طلوع الشمس الى الشارع ، بعد أن اعدت الجرتين لاخذهما عند منتصف النهار والذهاب بهما الى النبع كما هى عادتها كل يوم .
بعد ان اصبحت ماريا فى الشارع مع جموع الناس الذين يهتفون قائلين يا للعجب يا للعجب وفجأة نظرت ماريا الى ما ينظر اليه الناس فاذا بها ترى بناءا هائلا عبارة عن قناطر مشكلة من اقواس بعضها فوق بعض فاق ارتفاعها العشرين مترا تصل الجبل بالجبل من أعلى طرفيها وفى اعلاه مجرى طويل ولكن ليس به ماء ..
كانت قطعة واحدة هائلة من الحجارة ناقصة على استكمال هذا البناء الهائل وهى القطعة التى تربط بين النبع والجبل وبدايه المجرى الذى تحمله القناطر .
قال سكان سجوبيا ياله من بناء عظيم ولكنه ناقص .. ناقص حجرا واحدا وتصل المياه مباشرة الى المدينة ويرتاح الناس من عناء مشوار كل يوم .
لم تصدق ماريا ما رأت وأسرعت الى خالها القس العجوز وروت له الحكاية ، فلامها لوما شديدا قائلا :
- كان من الافضل لك ان تظلى طوال حياتك تحضرين الماء من أن تبيعى نفسك الى هذا الشيطان الذى ظهر لك فى صورة شاب جميل اراد ان يعاهدك على اخذ نفسك .. ولو تمكن من اتمام القنطرة بالكامل لكان العهد الذى بينك وبينه نافذا ، ولكن الله انقذك من براثنه ولم يستطع ان يكمل البناء قبل طلوع الشمس كشرطك عليه وهذا هو الذى انقذك .. ثم سكت قليلا وقال : هيا بنا الى الخارج لنرى ماذا يمكننا عمله لاكمال المجرى ووضع الحجر الناقص مكان .
جمع الرجل اهل المدينة حيث تعاونوا جميعا على الاتيان بحجر ضخم نحتوه بالمقاس المطلوب وحشروه بين الجزئين العلويين بين الجبل وبين أول المجرى ثم تركوا المياه تنساب اليه من النبع . وماذا هذا المجرى يحمل الاسم العربى حتى الان " العيــــــــــون" وما زال ايضا يحتفظ بالاسطورة الخياليه الغريبه حول بناءه ... وهكذا نحجت ماريا وفشل الجنى واختفى .
تمــــــــــــــــــــــــــت
صــــــلاح أبو شنب

حكايــــــة من قريــــة سياحيـــــــــة - لصلاح ابوشنب


حكاية من قرية سياحية
خرج الزوجان من البحر بعد ان مكثا قرابة الساعة فى الماء ، كان الزوج سمينا يرتدى مايوه ضيق للغايه يكاد ينفجر من فوق جسمه الغليظ ، يقبض على يد زوجته التى خرجت معه من الماء مبلله تتساقط قطرات الماء من فوق جسمها النحيل وهى ترتدى السوستين والمايوه البكينى الفاضح الذى يكشف اكثر مما يستر ، تقدم الاثنان نحو البستانى الذى كان يتولى رى الحديقه الخضراء التى تتوسط القريه ، قال الرجل : اسمع يا أنت : هل هذا الماء عذب ؟ اجاب البدوى : طبعا يا باشا .. قال : حسنا .. غسـّل الهانم جيدا بالخرطوم ثم نظر اليها وقال : سوف أدخل الى الشاليه كى استحم لازاله الاملاح من جسمى .. قالت الهانم : لا تتأخر يا حبيبى . أخذت الهانم تدور تحت الخرطوم تاره فى اتجاه عقارب الساعه واخرى بعكسها ، ثم تناولت بأصبعها السبابه بيدها اليسرى طرف السوستين وأبعدته عن جسمها بينما اسرعت سبابة يدها اليمنى لتبعد عن جسمها الطرف المطاطى لأعلى المايوه البكينى طالبة منه أن يمرر الماء داخلهما ، تردد الرجل
خجلا ، فقالت ساخره من استحياءه : اللى اختشوا ماتوا يا معلم . لم يجد الرجل مفرا من الانصياع الى طلبها . فى هذه الاثناء كان الزوج الذى يتحدث باستعلاء قد خرج من الشاليه مرتديا تى شيرت مقلم وبنطال قصير ، نظر الى البستانى وهو يقول : برافو برافوا يا اسطى ، ثم التفت الى المرأة قائلا : هل احسن العمل يا روحى ؟ قالت : بامتياز يا حبيبى . اخرج ورقه من فئة العشرين جنيها فألقاها فى يده .